الكاتبة : اسراء العبيدي
في بستان جميل .. من بساتين العراق الرائعة .. حيث اشجار النخيل الباسقة .. وحقول الفواكه الجميلة .. يحكى إن فتاة فى الثالثة عشرة من عمرها تدعى سلمى كانت تعيش بالقرب من هذا البستان وطيلة فترة طفولتها حلمت أن تدخل لأراضي البستان وتتجول في ارجائه . وذات يوم ، فكرت أن تقترب من مريم ابنة صاحب البستان وتصبح صديقة لها ، من ذلك الحين أصبحتا صديقتان مقربتين جدا . وبينما كانت سلمى برفقة مريم سألتها : كيف تقضين يومك في البستان ؟ فقالت لها : أقضيه بتعاسة وشقاء . استغربت سلمى كثيرا وقالت لها : ماذا تريدين أكثر من هذا !! بستان بهذه الروعة وأراضي وأشجار بهذه الطلة البهية ، فلا يوجد أجمل من الحياة التي تعيشينها ولكنك لا تقدرينها . غضبت مريم كثيرا عند سماعها هذا الكلام وقالت:ماذا دهاك ؟ هل تعلمين ان حياتك جميلة جدا وأنتي في غاية من السعادة بحيث لا تشعرين بمعاناة الناس من حولك . بعد ذلك قالت سلمى سآتي معك الى البستان وأرى بنفسي طبيعة الحال فماذا تقولين ؟ قالت مريم لها : نعم وبكل سرور يا صديقتي الغالية ابتسمت سلمى كثيرا لأنها أخيرا حققت حلمها ولكن كلمة واحدة أسرت قلبها ألا وهي ” صديقتي الغالية” وذلك لأنها لم تفكر بمريم كصديقة بل إنها كانت مجرد هدف للوصول الى البستان . رغم ذلك ذهبت مع مريم الى البستان وكانت هنالك فرحة كبيرة تعتمر قلبها لأنها لأول مرة تشاهد بعينها العديد أشجار الفواكه النفطية والحمضية التي تبدو وكأنها أشجار غابة تشابكت أغصانها وتكاثفت فروعها وازدحمت أوراقها . وقفت سلمى بصمت وهدوء وهي تتطلع الى مجموعة الاراضي البعيدة والتي تبدأ ثم تختفي وهي غارقة بأشعة الشمس متوهجة بالنور الذي يزحف نحو ظلال النخيل والأشجار المحصورة داخل أسجية طينية . استمرت سلمى كل يوم بالمجيء الى البستان والفرحة تملئ قلبها ولكنها لاحظت انشغال والد مريم المستمر وقلة اهتمامه بابنته , في تلك اللحظة عرفت لماذا قالت مريم إنها لا تشعر بالسعادة بالرغم من منظر البستان الخلاب الذي يأخذ الانفاس . استأذنت سلمى والد مريم بالرحيل وعادت الى البيت وهي تبكي بشدة . قلقلت عليها والدتها كثيرا وقالت لها لماذا تبكين يا ابنتي الرائعة ؟ فقالت سلمى: توقفي يا ماما عن الكلام انتي بهذا تؤلميني أكثر أنا لست رائعة . هدأت والدتها من روعها ومسحت دموعها وقالت لها: الان تكلمي ما بك ؟ قالت لها: أنا فتاة سيئة استغليت مريم للوصول الى البستان ولم اعرف معنى الصداقة بالرغم من انها تعتبرني صديقة غالية عليها . وكما اني قلت لها ان حياتك جميلة ولكن الحقيقة عكس هذا وذلك لاني أملك عائلة تحبني وتهتم بي . واليوم عندما بكيت اهتممت لأمري كثيرا وبينما مريم والدها لا يكترث لأمرها إطلاقا وخصوصا بعد وفاة والدتها . إنها فعلا تفتقر الى العائلة ماذا علي أن أفعل ؟ بعد ان انتهت سلمى من الكلام قالت لها والدتها : أنتي لست سيئة بل انك رائعة لأنك شعرتي بخطأك قبل فوات الاوان . فلا داعي للبكاء بل كوني فخورة بنفسك وتعلمي أن لا تكرري هذا الخطأ مجددا وكوني سعيدة لان لديك صديقة تدعى مريم . كل ما عليك فعله هو أن تحافظي على الصداقة والأخوة ولا تبنيها على الكذب والاستغلال بل على الصدق والمودة . وتذكري جيدا إن حبك للبستان جعلك تتعرفين على اغلى صديقة. وفي صباح يوم مشرق جميل ذهبت والدة سلمى وتكلمت مع والد مريم وقالت له: ابنتك بحاجة الى حبك واهتمامك ولكنك كرست وقتك كله للبستان ولا تهتم لابنتك الوحيدة إنها مسكينة تشعر بالوحدة . والطفل الذي لا يتربى في كنف عائلة لا يشعر بالسعادة مطلقا لو كان يملك كنوز الدنيا كلها ، فأي اب تكون ؟ ولماذا تتعامل معها بهذه القسوة ؟ توقف والد مريم للحظات متأملا ومتأثرا بكلام ام سلمى فشعر بالذنب تجاه ابنته وبصوت خافت نادى ابنته مريم فما أن جاءت حتى مسك يديها وقبلهما وقال: ابنتي العزيزة سامحيني فأنتي أعز ما أملك وأنتي أغلى من البستان الذي كرست وقتي له انتي كنز لا يفنى. وهكذا عرفت مريم طعم السعادة مع والدها حيث اصبحت تملك عائلة رائعة بكل المعاني وبين كل حين وآخر تأتي صديقتها سلمى لتشاركها فرحتها بحياتها الجديدة المليئة بروح التعاون في العمل . ومن هنا تعلمت سلمى معنى الصداقة الحقيقية كيف تكون وتحقق حلمها بشكل أفضل .